فصل: (الأعلى: الآيات 1- 5)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

سورة الأعلى:
{سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} يعني قل: سبحان ربّي الأعلى، وإلى هذا التأويل ذهب جماعة من الصحابة والتابعين، وقال قوم معناه: نزّه ربّك الأعلى عما يقول فيه الملحدون ويصفه به المبطلون، وجعلوا الاسم صلة، ويجوز أن يكون معناه، نزّه ذات ربّك عما لا يليق به، لأن الاسم والذات والنفس عبارة عن الوجود والإثبات.
وقال آخرون: نزّه تسمية ربّك وذكرك إياه إن تذكره إلاّ وأنت خاشع معظّم ولذكره محترم، وجعلوا الاسم بمعنى التسمية، وقال الفراء: سواء قلت سبح اسم ربّك أو سبح باسم ربّك إذا أردت ذكره وتسبحيه، وقال ابن عباس: صلِّ بأمر ربّك الأعلى.
{الذي خلق فسوى} فعدل الخلق {والذي قدر} خفّف على والسلمي والكسائي داله، وشدَّدها الآخرون.
{فهدى}: قال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراتعها، وقال مقاتل والكلبي: عرّف خلقه كيف يأتي الذكر الانثى، وعن عطاء قال: جعل لكل دابة ما يصلحها وهذا حاله، وقيل: هدى لإكتساب الأرزاق والمعاش، وقيل: خلق المنافع في الأشياء وهدى الإنسان لوجه إستخراجها منه، وقيل: هدى لدينه مَنْ يشاء من خلقه.
قال السدي: قدر الولد في الرحم تسعة أشهر، أقل، أو أكثر، وهدى للخروج من الرحم.
وقال الواسطي: قدر السعادة والشقاوة عليهم ثم يسر لكل واحد من الطالعين سلوك ما قدر عليه، وقيل: قدر الأرزاق فهداهم لطلبها، وقيل: قدر الذنوب على عباده ثم هداهم إلى التوبة.
{والذي أَخْرَجَ المرعى} النبات من بين أخضر وأصفر وأحمر وأبيض.
{فَجَعَلَهُ غُثَاءً} هشيماً بالياً، {أحوى} أسود إذا هاج وعتق.
{سنقرئك}: سنعلمك ويقرأ عليك جبريل، {فَلاَ تنسى إِلاَّ مَا شَاءَ الله} أن تنساه وهو ما ننسخه من القرآن، وهذا معنى قول قتادة، وقال مجاهد والكلبي: كان النبي عليه السلام إذا نزل جبريل بالقرآن لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوله مخافة أن ينساها فأنزل الله تعالى: {سنقرئك فَلاَ تنسى} فلم ينس بعد ذلك شيئاً، ووجه الاستثناء على هذا التأويل ما قاله الفراء: لم يشأ أن ينسى شيئاً، وهو كقوله سبحانه: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107]، وأنت تقول في الكلام لأعطينّك كل ما سألت إلاّ ما شاء أن أمنعك والنية أن لا تمنعه، وعلى هذا مجاري الإيمان يستثنى فيها ونية الحالف النمّام.
وسمعت محمد بن الحسن السلمي يقول: سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: كان يغشي الجنيد في مجلسه أهل النسك من أهل العلوم وكان أحد مَنْ يغشاه ابن كيسان النحوي، وكان في وقته رجلا جليلا فقال له يوماً: يا أبا القاسم ما تقول في قوله سبحانه: {سنقرئك فَلاَ تنسى} فأجابه مسرعاً كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات: لا تنسى العمل به، فأعجب ابن كيسان به إعجاباً شديداً وقال: لا يفضض الله فاك مثلك من يصدر عن رأيه.
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر} من القول والفعل {وَمَا يخفى}: قال محمد بن حامد: يعلم إعلان الصدقة واخفاءها.
{وَنُيسركَ لليسرى} لعمل الجنّة، وقيل: هو متصل بالكلام الأول معناه: نعلم الجهر مما تقرأه يا محمد على جبريل إذا فرغ من التلاوة عليك، وما يخفى ما تقرأه في نفسك مخافة ان تنساهـ. ثم وعده فقال: {وَنُيسركَ لليسرى} أي يهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعلمه وتعمل به، وقيل: ويوفقك للشريعة اليسرى، وهي الحنفية السمحة.
{فذكر} عظ بالقرآن {إِن نَّفَعَتِ الذكرى} التذكر {سَيذكر} سيتّعظ {مَن يخشى} الله سبحانه {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى} يعني ويتجنب التذكرة ويتباعد عنها.
{الأشقى} الشقي في علم الله سبحانه.
{الذى يَصْلَى النار الكبرى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلاَ يَحْيَا} أي حياة تنفعه.
وسمعت السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطا: لا يحيى فيستريح عن القطيعة ولا يحيا فيصل إلى روح الوصلة.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى}: أي تطهّر من الشرك وقال: لا إله إلاّ الله، هذا قول عطاء وعكرمة ورواية الوالي عن ابن عباس وسعيد بن جبير عنه أيضًا، وقال الحسن: من كان عمله زاكياً، وعن قتادة: عمل صالحاً وورعاً، وعن أبو الأحوص: رضح من ماله وادّى زكاة ماله، وكان ابن مسعود يقول: رحم الله إمرءاً تصدّق ثم صلّى ثم يقرأ هذه الآية، وقال آخرون: هو صدقة الفطر، وروى أبو هارون عن أبي سعيد الخدري، في قوله سبحان: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} قال: أعطى صدقة الفطر.
{وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} قال: خرج إلى العيد فصلى.
وروى عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا صلّى الغداة يعني من يوم العيد قال: يا نافع أخرجت الصدقة فإن قلت نعم مضى إلى المصلّى وإن قلت لا قال: فالآن فأخرج، فإنما نزلت هذه الآية في هذا {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى}.
وروى مروان بن معاوية عن أبي خالد قال: دخلت على أبي العالية فقال لي: إذا غدوت غداً إلى العيد فمرّ بي، قال: فمررت به فقال: هل طعمت شيئاً؟ قلت: نعم، قال: أفضت على نفسك من الماء، قلت: نعم، قال: فأخبرني ما فعلت زكاتك؟ قلت: قد وجهتها قال: إنما أردتك لهذا ثم قرأ {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} وقال: إنّ أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء، ودليل هذا التأويل ما أخبرني الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي الهمداني قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن إسحاق الأصبهاني قال: حدّثنا حاتم بن يونس الجرجاني قال: حدّثنا دحيم قال: حدّثنا عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} قال: «أخرج زكاة الفطر، وخرج إلى المصلى فصلى».
قلت: ولا أدري ما وجه هذا التأويل، لأن هذه السورة مكيّة بالإجماع ولم يكن بمكّة عيد، ولا زكاة فطر والله أعلم.
{وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ}: أي وذكر ربّه، وقيل: وذكر تسمية ربّه، وقيل: هو تكبير العيد، فصلى صلاة العيد، وقيل: الصلوات الخمس. يدل عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد ابن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثنا عباد بن أحمد العمري قال: حدّثنا عمّي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء بن السائب عن ابن سابط عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} قال: «من شهد أن لا إله إلاّ الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله» {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى} قال: «هي الصلوات الخمس، والمحافظة عليها حين ينادى بها، والإهتمام بمواقيتها، وقيل: الصلاة هاهنا الدعاء».
{بَلْ تؤثرون}، قراءة العامة: بالتاء وتصديقهم قراءة أُبيّ بن كعب، {بل وأنتم تؤثرون}.
وقرأ أبو عمرو بالياء، يعني الاشقين.
قال عرفجة الأشجعي: كنا عند ابن مسعود، فقرأ هذه الآية، فقال لنا: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا علي الآخرة. قلنا: لا، قال: لأن الدنيا أحضرت لنا، وعُجّل لنا طعامها وشرابها نساؤها ولذتها وبهجتها، وإن الآخرة غيبت لنا وزويت عنا، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل.
{والآخرة خَيْرٌ وأبقى إِنَّ هذا} الذي ذكرت في هذه السورة، وقال الكلبي: يعني من قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} إلى آخر السورة، وقال ابن زيد يعني قوله: {والآخرة خَيْرٌ وأبقى} قال قتادة: تتابعت كتب الله كما تسمعون إنّ الآخرة خيرٌ وأبقى.
الضحّاك: إنّ هذا القرآن، {لَفِي الصحف} الكتب {الأولى} واحدتها صحيفة، {صُحُفِ إبراهيم وموسى} يقال: إنّ في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه، وقال أبو ذر: «قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً قال: قلت: يا رسول الله كم المرسلون منهم؟
قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر وبقيّتهم أنبياء قلت: أكان آدم نبياً؟ قال: نعم كلمه الله سبحانه وخلقه بيده، يا أبا ذر أربعة من الأنبياء عرب: هود وصالح وشعيب ونبيك.
قلت: يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟
قال: مائة وأربع كتب، منها على آدم عشر صحف، وعلى شيث خمسين صحيفة، وعلى أخنوح، وهو إدريس ثلاثين صحيفة، وهو أوّل من خطّ بالقلم، وعلى إبراهيم عشر صحائف، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان»
. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الأعلى:
مكية.
وآياتها 19.
نزلت بعد التكوير.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[الأعلى: الآيات 1- 5]

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى (1) الَّذي خلق فسوى (2) وَالَّذي قدر فهدى (3) وَالَّذي أَخْرَجَ المرعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أحوى (5)}.
تسبيح اسمه عز وعلا: تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه، كالجبر والتشبيه ونحو ذلك، مثل أن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار، لا بمعنى العلوّ في المكان والاستواء على العرش حقيقة، وأن يصان عن الابتذال والذكر، لا على وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون الأعلى صفة للرب، والاسم.
وقرأ علي رضي الله عنه: {سبحان ربى الأعلى}. وفي الحديث لما نزلت: {فسبح باسم ربك العظيم}، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» فلما نزل {سبح اسم ربك الأعلى} قال: «اجعلوها في سجودكم» وكانوا يقولون في الركوع: اللهم لك ركعت، وفي السجود: اللهم لك سجدت {خلق فسوى} أي {خلق} كل شيء {فسوى} خلقه توية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه صنعة حكيم {قدر فهدى} قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به. يحكى أنّ الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها اللّه أنّ مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوى تلك المسافة على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن اللّه. وهدايات اللّه للإنسان إلى ما لا يحدّ من مصالحه وما لا يحصر من حوائجه في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع، وشوط بطين، لا يحيط به وصف واصف، فسبحان ربى الأعلى. وقرئ: {قدر}، بالتخفيف {أحوى} صفة لـ: {غثاء}، أي أَخْرَجَ المرعى أنبته فَجَعَلَهُ بعد خضرته ورفيفه غُثاءً أحوى دربنا أسود. ويجوز أن يكون {أحوى} حالا من {المرعى}، أى: أخرجه أحوى أسود من شدّة الخضرة والري، فجعله غثاء بعد حوّيه.

.[الأعلى: الآيات 6- 7]

{سنقرئك فَلا تنسى (6) إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يخفى (7)}.
بشره اللّه بإعطاء آية بينة، وهي: أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحى وهو أمى لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه {إِلَّا ما شاءَ} اللَّهُ فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته، كقوله: {أَوْ نُنْسِها} وقيل: كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل، فقيل: لا تعجل، فإنّ جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه، ثم لا تنساه إلا ما شاء اللّه، ثم تذكره بعد النسيان. أو قال: إلا ما شاء اللّه، يعنى: القلة والندرة، كما روى أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة، فحسب أبى أنها نسخت، فسأله فقال: نسيتها. أو قال: إلا ما شاء اللّه، الغرض نفى النسيان رأسا كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء اللّه ولا يقصد استثناء شيء وهو من استعمال القلة في معنى النفي.
وقيل: قوله: {فَلا تنسى} على النهى، والألف مزيدة للفاصلة، كقوله: {السَّبِيلَا} يعنى: فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه، إلا ما شاء اللّه أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ} يعنى أنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل عليه السلام مخافة التفلت، واللّه يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر، فلا تفعل، فأنا أكفيك ما تخافه. أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم، وما ظهر وبطن من أحوالكم، وما هو مصلحة لكم في دينكم ومفسدة فيه، فينسى من الوحى ما يشاء، ويترك محفوظا ما يشاء.

.[الأعلى: الآيات 8- 13]

{وَنُيسركَ لليسرى (8) فذكر إِنْ نَفَعَتِ الذكرى (9) سَيذكر مَنْ يخشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى (11) الَّذي يَصْلَى النَّارَ الكبرى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها ولا يحيى (13)}.
{وَنُيسركَ لليسرى} معطوف على {سنقرئك} وقوله: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يخفى} اعتراض ومعناه: ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، يعنى: حفظ الوحى. وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذا.
وقيل: نوفقك لعمل الجنة.
فإن قلت: كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا بالذكرى نفعت أو لم تنفع، فما معنى اشتراط النفع؟
قلت: هو على وجهين، أحدهما: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّا وطغيانا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتلظى حسرة وتلهفا، ويزداد جدا في تذكيرهم وحرصا عليه، فقيل له وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فذكر بِالقرآن مَنْ يَخافُ وَعِيدِ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ، فذكر إِنْ نَفَعَتِ الذكرى وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير.
والثاني: أن يكون ظاهره شرطا، ومعناه ذمّا للمذكرين، وإخبارا عن حالهم، واستبعادا لتأثير الذكرى فيهم، وتسجيلا عليهم بالطبع على قلوبهم، كما تقول للواعظ: عظ المكاسين إن سمعوا منك. قاصدا بهذا الشرط استبعاد ذلك، وأنه لن يكون {سَيذكر} فيقبل التذكرة وينتفع بها {مَنْ يخشى} اللّه وسوء العاقبة، فينظر ويفكر حتى يقوده النظر إلى اتباع الحق: فأمّا هؤلاء فغير خاشين ولا ناظرين، فلا تأمل أن يقبلوا منك {يَتَجَنَّبُهَا}، ويتجنب الذكرى ويتحاماهاَْ {الأشْقَى} الكافر، لأنه أشقى من الفاسق. أو الذي هو أشقى الكفرة لتوغله في عداوة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة {النَّارَ الكبرى} السفلى من أطباق النار وقيل {الكبرى} نار جهنم. والصغرى: نار الدنيا. وقيل {ثُمَّ} لأنّ الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلى، فهو متراخ عنه في مراتب الشدّة: والمعنى: لا يموت فيستريح، {ولا} يحيى حياة تنفعه.